خمس رسائل أوجهها للجهات الداعمة لريادة الأعمال والمنشآت الصغيرة والمتوسطة (وللمستفيدين كذلك). التطور - السريع جداً - في أعداد وأنواع البرامج الداعمة يعتبر تطورا رائعا، لكنه لا يعني وجود فاعلية وكفاءة عالية، بل على العكس، التطور المبالغ فيه قد يكون على حساب الفعالية والكفاءة. تحاول هذه الرسائل تأكيد الاستفادة الكاملة من الجهود التي تبذل حالياً وعدم تبعثرها أو تلاشيها لسبب أو لآخر. عموماً، تفعيل الجهود وتنسيقها وإدارتها من الأدوار المتوقعة من هيئة المنشآت الصغيرة والمتوسطة المنتظرة.
أبدأ أولاً بمسألة توفير الدعم المادي الذي يقدم الآن للمستفيدين بأكثر من نموذج تمويلي واستثماري. تحرص بعض الجهات الداعمة - حسب تصريحاتها بالصحف مثلاً - على تقييم برامجها عن طريق توضيح عدد وقيمة ما يُدعم من المشاريع. يظهر الدعم المالي وكأنه الهدف أو الجائزة التي يود المستفيد الفوز بها ويود الداعم تقديمها. يَحضُر المستفيد عددا معينا من الدورات التدريبية ويعبئ الاستمارات ليكمل المتطلبات ويحصل على موافقة بالتمويل. وهذا يعني أن أهداف هذه الجهات تنحصر في استخدام المخصصات للتمويل وليس تمويل مشاريع تحقق نسبة إيجابية معينة من العوائد مثلاً. ما الفائدة من تمويل ألف مشروع إذا كانت 30 أو 40 في المائة منها (أو أكثر) خاسرة؟! الدعم المالي ليس متطلب النجاح الأهم، بل هو مجرد خطوة، تسبقها وتتبعها الكثير من الخطوات والجهود. إذا تصوّر المستفيد أن كل العقبات تنحصر في عدم حيازته لرأسمال كاف واستجابت برامج الدعم لهذه التصورات، النتيجة لن تكون ذات قيمة حقيقية لا للمؤسسة الداعمة ولا للمستفيد ولا للمجتمع.
المسألة الثانية تخص دراسات الجدوى والمتطلبات التقريرية التي يفترض أن يقدمها المستفيد إلى برنامج الدعم حتى يفوز به. ما يحصل هو أن بعض الجهات تطلب من المستفيدين تقديم دراسات الجدوى بطريقة تُحفّز هؤلاء المستفيدين على الاستعانة بالمكاتب الاستشارية (بغض النظر عن مدى احترافية هذه المكاتب وجودة مخرجاتهم) التي تأخذ أتعابا مقابل إعداد دراسات الجدوى، سواء كانت جاهزة أو جديدة بالكامل.
ترسم خطط المشاريع ودراسات الجدوى مستقبل المشروع بطريقة واقعية، تبدأ من نموذج الفكرة التي ترتبط برغبة المستفيد وبشغفه واهتماماته أو بمعرفته الجيدة. وتنتهي بما يتبع هذا النموذج من تصورات مختلفة (بأساليب وأدوات معروفة) تغطي الجوانب التسويقية والمالية وغيرها. في ريادة الأعمال والمشاريع الصغيرة يُدير المستفيد من الدعم مشروعه بالكامل، وهو من يستفيد من نجاحه وهو من يتحمل خسارته، وإذا لم يكن هو من خطط له بالكامل سيسقط تلقائياً في بحر من العشوائية والمخاطر. تشجيع الشاب على إحضار دراسة جدوى جاهزة للحصول على التمويل هو تشجيع مباشر على خوض هذه المخاطر غير المحسوبة. الحلول تكمن في إيجاد إجراءات تضمن علم ومعرفة المستفيد بكل حيثيات دراسة الجدوى أو خطة العمل المطلوبة. بالتأكيد لا يجب عليه إعدادها بالكامل، لكن يجب على الأقل أن يجيد قراءتها وأن توافق ما ينوي فعلياً القيام به، وأن يكون المشروع مجدياً له بهذه الشروط.
المسألة الثالثة: نماذج المشاريع. تفرّق جهات الدعم بين المجالات العامة للمشاريع كالصناعة أو التقنية أو الخدمات. كل هذه المجالات قابلة لأن تكون في نماذج مختلفة سواء كانت نماذج مبتكرة غير معروفة مسبقاً أو نماذج تقليدية كالامتيازات التجارية والوكالات وغيرها. بعض هذه النماذج المبتكرة تصنع علاقات إيجابية تذلل للمستفيد الكثير من العقبات وتحقق أهداف برامج الدعم والأهداف الاقتصادية الأخرى.
على سبيل المثال، تقوم شركات الألبان برحلات يومية تستخدم فيها الطرق البرية لنقل منتجاتها. قد تقوم إحدى جهات الدعم بتصميم نماذج لمشاريع نقل بناءً على معايير شركات الألبان يقوم بتشغيلها وتمَلُّكها مستفيدون مباشرون بعقود طويلة الأجل. وبذلك تصبح الجهة الداعمة هنا عامل مؤثر ينقل منظومة واقعية كاملة يقوم موظفوها بالتحويل لبلدانهم في آخر الشهر إلى سلسلة مكررة من المشاريع الصغيرة الناجحة في كل مناطق الدولة. من الأمثلة الأخرى ما تقوم به لجنة المؤسسات الصغيرة في بريطانيا بالتنسيق مع متاجر التجزئة الضخمة، حيث تحصر مجموعة من فرص توريد المواد الغذائية ثم تمكن المستفيدين من الحصول على هذه الفرص بعقود إيرادية لفترات طويلة نسبياً وتمولهم تبعاً لذلك.
المسألة الرابعة: تعاطي – البعض – مع ريادة الأعمال وأنشطة المنشآت الصغيرة وكأنها أندية للنُخَب فقط. يتم الاحتفاء بمن نال الدعم من أصحاب المشاريع الناجحة (وهذا مطلوب إلى حد ما كقدوة حسنة ومثال محفز) لكن في المقابل لا تتم دعوة إلا أصحاب المشاريع الأخرى. كذلك مثلاً يتم توجيه أنشطة الدعم والمؤتمرات والمناسبات إلى المدن الكبرى فقط حيث يتكرر التواصل والتفاعل. زيارة المستفيدين وجهات الدعم لمدن أخرى يفتح آفاقا جديدة من استكشاف الفرص والعلاقات. أو مثلاً، انتقاد إساءة فهم البعض - ممن هم في حاجة إلى التحفيز - للعديد من المفاهيم، وهذا طبيعي ومتوقع لأسباب عديدة. أفضل ردة فعل هي بالتأكيد محاولة تصحيح الفهم، وليس انتقاده.
المسألة الخامسة: استغلال المصادر غير المستغلة. فالكثير من العصاميين وكبار التجار والخبراء في الإدارة والتنفيذيين المتقاعدين لا يزالون خارج المشهد، وعلى الرغم من تواجد بعضهم لإلقاء المحاضرات (في الغرف التجارية مثلاً) وهناك من يقوم منهم بالدعم المباشر، إلا أن هذا لا يكفي. أرى خطوتين مهمتين هنا: يجب أولاً تحفيز هؤلاء الأفراد (وهم بيوت خبرة شخصية) لمزيد من التحرك والتفاعل عن طريق دعوتهم المباشرة وتثقيفهم حول تجديد طرق العطاء والنصح حسب احتياجات ورغبات الجيل الشاب الجديد. والثاني، وجود برامج فاعلة تنظم مناسبات مُعدة، خصيصاً لكسر المزيد من الحواجز بين هؤلاء الخبراء وبين المستفيدين الجدد، سواء كان هذا بلقاءات دورية أو بإعادة برمجة الفعاليات لتتضمن أنشطة من هذا النوع.
Recent Comments